الصين وأميركا في حرب الأمم المقبلة على المناخ
لا آليات واضحة حول انبعاثات غازات الاحتباس الحراري
بعد خلافات حول التجارة والتكنولوجيا، والنفط، وأسواق رأس المال، تحوّل القوى الاقتصادية العظمى في العالم انتباهها إلى تغيّر المناخ باعتباره المسار التالي للتفوّق التجاري.
ويتوقع متابعون أن تكون “حرب المناخ” هي الحرب المقبلة بين واشنطن وبكين، وستتبع حرب التكنولوجيا والحرب التجارية، حيث يصبح تغيّر المناخ الموضوع الاقتصادي والسياسي السائد في العقود القادمة.
وفقًا لتقرير Climate Data Explorer الذي نشره معهد الموارد العالمية، ساهمت الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في أكثر من 50٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. وفي عام 2016، شكّلت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الصين 26٪ من إجمالي الانبعاثات العالمية.
وتفوّقت الصين على الولايات المتحدة بما يقرب من اثنين إلى واحد على الاستثمار المتعلّق بتحويل الطاقة بين عامي 2010 و 2020، وفقًا لبيانات BNEF، (بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة) بحسب ما ذكره فريق أبحاث ESG التابع لبنك أميركا في تقرير الشهر الماضي.
وقال محلّلو بنك أوف أميركا إنّ نقاط الضغط تشمل “هيمنة سلسلة التوريد وسياسات التصنيع المحليّة والقوانين المتعلّقة بحقوق الإنسان والتعريفات التجارية المتعلقة بالكربون”.
وتعهّدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأن يكون عام 2050 موعدًا نهائيًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الخالية من أي انبعاثات. فيما حدّدت الصين عام 2060 كتاريخ نهائي. ويدور نقاش في الهند حول انهاء ذلك أيضًا، كما هو الحال في معظم أنحاء العالم.
لا دلائل حقيقة على النتائج المتوقعة
ومع ذلك، يرى الباحثون أنه من الصعوبة بمكان تحقيق هذا الأمر، لأنّ الصين هي أكبر ملوّث على كوكب الأرض من حيث المساحة والمسافات. إذ تمثل الدولة حوالي 30 ٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، أي أكثر من ضعف مثيلتها في الولايات المتحدة.
وقام محلّلون بقيادة ميشيل ديلا فيجنا، رئيس أبحاث صناعة الطاقة في مصرف غولدمان ساكس، برسم المسار المحتمل للبلاد إلى صافي صفر حسب القطاع والتكنولوجيا، ووضع 16 تريليون دولار من استثمارات البنية التحتية للتكنولوجيا النظيفة التي ستحتاج الصين إلى الشروع فيها بحلول عام 2060.
ويمكن أن تخلق هذه العملية 40 مليون وظيفة جديدة وتحفّز النمو الاقتصادي، كما توقعوا، وستعتمد على ثلاث تقنيات مترابطة قابلة للتطوير: الكهرباء، والهيدروجين الأخضر، واحتجاز الكربون.
إجمالاً، قدمت ما يقرب من 124 دولة من أصل 202 شملهم الاستطلاع في تقرير نُشر الأسبوع الماضي تعهدات صافية صفرية. فيما تشمل الأنشطة التي سبقت قمة الأمم المتحدة المتوقعة في تشرين المقبل حملة “السباق إلى الصفر” لإشراك الدول المتبقية بحلول ذلك الوقت.
ولكن ماذا يعني صافي الصفر في الواقع؟ في تقرير خاص عام 2018، قالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ إنّه يجب على البلدان خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى “الصفر الصافي” بحلول عام 2050 للحفاظ على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية من مستويات ما قبل الصناعة. مقابل ذلك، لا اتفاق حاسم على المواد التي ينطبق عليها صافي الصفر. وهذا يخلق غموضًا خطيرًا، وتقوم البلدان والمنظمات بتعريف العبارة وفقًا لمعاييرها الخاصة. ويُعد الاتفاق على التعريف أمرًا مهمًا للمساءلة، ولكن الأهم من ذلك كله، بدونه، قد لا يتحقق هدف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 للحدّ من الاحترار إلى ما بين 1.5 درجة مئوية و 2 درجة مئوية بحلول منتصف القرن.
وأظهر الباحثون بوضوح كيف أنّ المسارات المختلفة إلى صافي الصفر يمكن أن يكون لها نتائج جذرية مختلفة. وكشف جيوري روجلي من إمبريال كوليدج لندن وزملاؤه على سبيل المثال، أنّ تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى وقف الاحترار، لكن ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل في الغلاف الجوي سيبقى لمئات السنين. في الوقت نفسه، يمكن أن تؤثر التخفيضات على غازات الدفيئة الأخرى على الاحترار بشكل أسرع؛ لكن التخلّص من هذه الغازات الأخرى أكثر تعقيدًا من خفض الكربون.
ويحذر الباحثون أيضًا من أنّ الكميات النسبية لتخفيضات الانبعاثات هذه ستؤثر أيضًا على معدلات الانخفاض الإجمالية للغازات. في بعض السيناريوهات، قد لا تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، حتى مع انخفاض الانبعاثات. ويحث الفريق على توضيح ثلاثة مجالات للسياسة: نطاق خفض الانبعاثات؛ كفايتها وعدالتها؛ وخطوات ملموسة نحو تحقيق صافي صفر. وبذلك، يصبح هدف 2050 أو 2060 بلا معنى بدون معالم مؤقتة.
اتفاقية باريس للمناخ
تنطبق اتفاقية باريس للمناخ على جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن الدول المشاركة لم تقرّر كيفية خفض الانبعاثات، ولا كيفية قياس التخفيضات. سيكون الاتفاق على كليهما من أولويات قمة جلاسكو، لكن الفراغ المعلوماتي قد خلق مساحة لتفسيرات وخيارات متعددة. لذلك، في حين أن تعهد الاتحاد الأوروبي يستهدف جميع هذه الغازات، فإنّ خطة الصين تركز فقط على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ولا تشمل الميثان أو أكسيد النيتروز. ولا يزال يتعيّن على الخطة الأميركية تحديد الغازات المشمولة.
في المقابل، إنّ الشركات التي تقدم تعهدات صافية صفرية تتسم بالمرونة بالمثل في تعريفاتها. بالنسبة للبعض، الصفر الصافي يعني إزالة غازات الدفيئة من جميع عملياتهم، بما في ذلك اتخاذ خطوات لتعويض الانبعاثات التاريخية. لكن آخرون- مثل البنوك الاستثمارية وشركات الوقود الأحفوري – سيواصلون الاستثمار في الوقود الأحفوري بينما يتعهدون بسياسات الصفر الصافي في مجالات أخرى من أعمالهم. وهذا ما يثير الشك بحق.
مخاطر التعويض
يستمر الجدل أيضًا حول كلمة “صافي” – حيث يمثل صافي الصفر التوازن بين الانبعاثات الناتجة والانبعاثات التي تمت إزالتها. بموجب قواعد خفض الانبعاثات السابقة التي انتهت صلاحيتها في عام 2020 (بموجب بروتوكول كيوتو للمناخ لعام 1997)، سُمح للبلدان عالية الانبعاثات بتعويض انبعاثاتها بمساعدة البلدان ذات الانبعاثات المنخفضة.
يمكنهم، على سبيل المثال، شراء وبيع الكربون كسلعة في العديد من بورصات تداول الكربون التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء العالم. إذ تسمح تجارة الكربون للبلدان ذات الانبعاثات العالية بتقليل صافي انبعاثاتها دون تقليل الكمية الإجمالية للكربون التي تطلقها في الغلاف الجوي. يمكن لهذه البلدان أيضًا المطالبة بأرصدة الكربون إذا قامت بتمويل الطاقة النظيفة أو زراعة الأشجار في البلدان منخفضة الانبعاثات.
ولكن إذا استخدمت البلدان ذات الانبعاثات المرتفعة مثل هذه التدابير على نحو متزايد، فقد يصل العالم إلى صافي الصفر بالمعنى التقني فقط. ومن غير المرجّح أن يتحقق هدف باريس المتمثل في إبقاء الاحترار تحت السيطرة إذا لم تخفض هذه البلدان انبعاثاتها بشكل جذري. يكمن الخطر في أن العالم سيزيد، وأن العبء الأكبر – على سبيل المثال، تدابير التكيّف مع المناخ المتسارعة – سوف يقع على عاتق البلدان المعرّضة للتغير المناخي. هذا احتمال حقيقي، وهو من بين الأسباب التي تجعل البلدان الأكثر عرضة لتغيّر المناخ، ولا سيّما تلك الموجودة في الجنوب العالمي، تشعر بالقلق إزاء الاستخدام المتزايد للتعويضات للوصول إلى صافي الصفر.
على الرغم من أنّ جميع الجهود المبذولة لإزالة الكربون لها بعض القيمة، فإنّ أقل ما يجب أن يحدث هو أن يكون هناك قدر أكبر من الشفافية في كيفية تحقيق البلدان لطموحاتها الخالية من الكربون- لأنّ ذلك سيسمح للباحثين بتحديد ما تعنيه هذه التعهدات بشكل أكثر دقة لتحقيق هدف اتفاقية باريس. ما يحتاجه كوكب الأرض بشدة هو قواعد متفق عليها وآلية مراقبة موثوقة – مثل تمويل مشاريع التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيّف معه.
تجدر الإشارة إلى أنّ أوروبا هي موطن لثماني من أكبر 10 شركات “تكنولوجيا نظيفة” في العالم، مع إمكانية زيادة قدرة التكنولوجيا النظيفة على مستوى العالم بمقدار أربعة أضعاف بحلول عام 2030، حسب توقعات محللي BofA. وقد أظهر المستثمرون أيضًا اهتمامًا متزايدًا بالشركات التي يُنظر إليها على أنها رائدة في انتقال الطاقة، من السيارات الكهربائية إلى الطاقة النظيفة.